في خضم موجة ارتفاع أسعار الوقود التي تضرب مصر منذ أشهر، وجدت محافظة سوهاج نفسها في قلب عاصفة اقتصادية جديدة مع إعلان تعريفة الركوب المعدلة لوسائل النقل العام. هذه الخطوة، التي جاءت كرد فعل طبيعي لارتفاع تكاليف التشغيل، أثارت جدلاً واسعاً بين سائقي المركبات والركاب على حد سواء. لكن ما وراء هذه الزيادة الظاهرية؟ وما تأثيراتها على الاقتصاد المحلي وحياة الأسر؟ هذا ما نحاول استكشافه من خلال تحليل متعمق للواقع الجديد في رابع أكبر محافظات الصعيد.
الخلفية الاقتصادية: لماذا ارتفعت أسعار الوقود؟
قبل الخوض في تفاصيل تعريفة الركوب، لا بد من فهم الأسباب الجذرية لارتفاع أسعار الوقود، والتي لا تقتصر على سوهاج أو مصر وحدها، بل هي جزء من أزمة عالمية متشابكة. وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، ارتفعت تكلفة واردات النفط بنسبة 34% خلال النصف الأول من 2024 مقارنة بالعام السابق، بسبب اضطرابات الإمدادات الناتجة عن التوترات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.
لكن المحلية تلعب دوراً أيضاً. فسياسة الحكومة المصرية في خفض الدعم تدريجياً – كجزء من اتفاقيات صندوق النقد الدولي – أدت إلى زيادة أسعار الوقود المحلية بنسبة 18% منذ يناير 2024. هذا الارتفاع انعكس مباشرة على قطاع النقل، الذي يعتمد بنسبة 90% على الوقود التقليدي، وفقاً لإحصاءات جهاز التعبئة العامة والإحصاء.
تعريفة الركوب الجديدة في سوهاج
أعلنت نقابة سائقي الأوتوبيسات والميكروباصات في سوهاج عن زيادة تعريفة الركوب بنسب تتراوح بين 25% و40%، حسب مسافة الرحلة ونوع المركبة. على سبيل المثال:
ارتفع سعر الرحلة داخل المدينة من 5 جنيهات إلى 7 جنيهات للميكروباص.
زادت تكلفة الرحلات بين القرى من 10 جنيهات إلى 14 جنيهاً.
وصلت زيادة أسعار التكاتك (الميني باص) إلى 30% في بعض الخطوط.
هذه الزيادة، رغم منطقيتها من وجهة نظر السائقين، تضع عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين في محافظة تعتمد 63% من سكانها على دخل يومي غير مستقر، بحسب دراسة حديثة لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء. الأسرة التي تنفق 15% من دخلها الشهري على المواصلات ستضطر الآن إلى تخصيص 20% أو أكثر، مما يقلص قدرتها على تلبية احتياجات أساسية مثل التعليم أو الصحة.
مستقبل التعريفة: هل نحن أمام مزيد من الارتفاعات؟
التوقعات الاقتصادية تشير إلى استمرار الضغوط على أسعار الوقود عالمياً، خاصة مع تعافي الاقتصاد الصيني وزيادة الطلب. في هذا السياق، يحذر تقرير صادر عن مركز “الدراسات الاقتصادية بالقاهرة” من أن التعريفة الحالية قد لا تكون الأخيرة إذا استمرت الأسعار العالمية في الصعود، مما يطرح تساؤلات حول قدرة الأسر محدودة الدخل على الصمود.
الخلاصة: أزمة متعددة الأبعاد تحتاج حلولاً استراتيجية
أزمة تعريفة الركوب في سوهاج ليست مجرد زيادة في أسعار التذاكر، بل هي حلقة في سلسلة أزمات بنيوية تشمل الطاقة والنقل والعدالة الاجتماعية. بينما تبدو الحلول الفورية ضرورية لتخفيف الألم اليومي للمواطنين، يبقى التحدي الأكبر هو بناء نظام نقل مستدام يعتمد على تقنيات حديثة ويقلص الاعتماد على الوقود الأحفوري. في غياب رؤية شاملة، قد تتحول سوهاج – وغيرها من المحافظات – إلى ساحات لصراع دائم بين ضرورات الاقتصاد الكلي وضرورات العيش الكريم.