في الإسماعيلية، المحافظة التي تُعتبر شرياناً حيوياً لحركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، أثارت تعريفة المواصلات الجديدة – التي شهدت زيادات تصل إلى 40% – جدلاً واسعاً بين سائقي المركبات والركاب على حد سواء.
الخلفية الاقتصادية: لماذا زادت التعريفة؟
تعتمد الإسماعيلية على شبكة نقل بري نشطة لربط مناطقها السكنية بالمناطق الصناعية والسياحية، مما يجعل أي تغيير في تكاليف المواصلات عاملًا مؤثرًا في النشاط الاقتصادي. وفقاً لبيانات غرفة النقل بالمحافظة، هناك ثلاثة عوامل رئيسية دفعت للزيادة:
ارتفاع أسعار الوقود: قفز سعر السولار من 8 جنيهات للتر في 2022 إلى 13 جنيهاً في 2023.
أزمة قطع الغيار: ارتفعت أسعار الإطارات بنسبة 65%، وزيت المحركات بنسبة 55% بسبب نقص العملة الصعبة.
زيادة الرسوم الحكومية: تضاعفت رسوم ترخيص سيارات الأجرة والميكروباصات بعد إلزامها بتقنيات تتبع إلكترونية.
هذه الضغوط دفعت نقابة سائقي الأتوبيسات إلى تنظيم إضراب لمدة 3 أيام في نوفمبر 2023، قبل أن تتفق مع المحافظة على زيادة تدريجية للتعريفة، مع وعود بدعم جزئي لأسعار الوقود للمركبات العامة.
تعريفة المواصلات الجديدة في الإسماعيلية
المواطنون بين التأييد والرفض: أصوات من الشارع
تختلف ردود الفعل حسب طبيعة الاستخدام، كما يظهر في هذه الشهادات:
السائق سمير (45 عاماً): “الزيادة ضرورية.. لو فضلنا على التعريفة القديمة، مكنش هيفضل مصاريف صيانة العربية”.
نهى (طالبة جامعية من أبو صوير): “بندفع 600 جنيه شهرياً للمواصلات بدل 400.. دي مصاريف كتب وملازم كمان”.
محمود (صاحب ورشة معدات بحرية): “تكلفة نقل العمال من الإسماعيلية إلى بورفؤاد زادت 30%.. مضطرين نقلل عدد العمال”.
أما في القرى مثل “التنظيم” و”القصاصين”، لجأ الأهالي إلى عربات الكارو والعربات التي تجرها الدواب، والتي ارتفعت أسعارها أيضاً بشكل غير رسمي.
مبادرات الحكومة: جهود لتخفيف العبء
أعلنت محافظة الإسماعيلية عن حزمة إجراءات لاحتواء السخط الشعبي، منها:
أسطول النقل السريع:
إضافة 15 أتوبيساً جديداً يعمل بالغاز الطبيعي لتغطية الخطوط بين المناطق السكنية والصناعية، بسعر ثابت 7 جنيهات لأي مسافة.
منصة “إسماعيلية موبايل”:
خدمة إلكترونية تتيح حجز مقعد في الميكروباص أو التوك توك مسبقاً، مع خصم 20% على الحجوزات الجماعية للعاملين في المناطق الحرة.
دعم وقود للشاحنات الصغيرة:
تخصيص كوبونات شهرية لسائقي الشاحنات التي تنقل البضائع من ميناء الإسماعيلية إلى المدن المجاورة، بأسعار أقل من السوق بنسبة 30%.
لكن هذه الحلول – رغم فاعليتها النسبية – لا تغطي سوى 25% من الاحتياجات الفعلية، وفقاً لتقرير مركز “قناة السويس” للدراسات الاقتصادية.
حلول مقترحة: كيف ننقذ الوضع؟
تفعيل النقل النهري:
استخدام ترعة الإسماعيلية وقناة السويس لنقل الركاب عبر مراكب صغيرة، بتكلفة أقل 60% من النقل البري.
تشجيع الدراجات الكهربائية:
بالتعاون مع القطاع الخاص، توفير دراجات كهربائية للإيجار اليومي في المناطق السياحية والسكنية.
نظام “التنقل التشاركي”:
تطوير تطبيق إلكتروني لتجميع رحلات العمال في سيارات خاصة، بتكلفة توزع على الركاب.
الخلاصة: التنقل حق وليس رفاهية
تعريفة الإسماعيلية الجديدة ليست مجرد أرقام تُضاف إلى فواتير الأسر، بل هي قضية تمس حياة ملايين المواطنين الذين يعتمدون على التنقل اليومي للعمل أو التعليم. بينما تحاول الحكومة تحقيق توازن هش بين مصالح السائقين والركاب، يظل الحل الجذري هو تبني استراتيجية نقل ذكية تعتمد على الطاقة النظيفة والبنية التحتية الحديثة. السؤال الأهم: هل ستكون الأزمة الحالية فرصة لإعادة اختراع منظومة النقل في محافظة استراتيجية؟ أم أنها مجرد حلقة في سلسلة الأزمات التي تُرهق كاهل الفئات الهشة؟