سجل الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 4.5% خلال الربع الثالث من العام المالي 2023/2024، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، ليُحقِّق أسرع وتيرة توسع منذ عامين. يأتي هذا النمو رغم تراجع إيرادات قناة السويس بنحو 50% بسبب الأزمات الجيوسياسية وتداعيات الحرب في أوروبا، مما يطرح تساؤلات حول مصادر الصمود. يعود الأداء الإيجابي إلى تعافي قطاعات رئيسية مثل التصنيع والزراعة والاتصالات، بالإضافة إلى تحسن الصادرات غير البترولية بنسبة 12%. تُظهر هذه المؤشرات بداية تحول في هيكل الاقتصاد نحو تنويع مصادر الدخل، رغم التحديات التي تفرضها الاعتمادية التقليدية على العملة الأجنبية.
القطاعات المحركة للنمو: من التصنيع إلى التكنولوجيا
قادت الصناعات التحويلية طفرة النمو الأخيرة، مسجلة زيادة بنسبة 6.8%، مدعومة ببرامج تحفيز الإنتاج المحلي مثل مبادرة “صنع في مصر”. كما ساهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنمو 9.3%، مع توسع خدمات التحول الرقمي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية التكنولوجية. في المقابل، حقق القطاع الزراعي نموًا بنسبة 3.5%، بفضل مشروعات الاستصلاح الزراعي وتحسين إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح. هذه القطاعات تعوض جزئيًا تراجع الأنشطة المرتبطة بقناة السويس، التي تشكل عادةً 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
دور قطاعي التصنيع غير البترولي والسياحة في تعزيز النمو
ساهم قطاع التصنيع غير البترولي بشكل كبير في دفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث حقق نموا بنسبة 17.74% خلال الربع الثاني من السنة المالية 2024/2025. يعزى هذا التحسن إلى السياسات الحكومية الداعمة للصناعة، مثل تسهيل إجراءات التخليص الجمركي وتوفير مستلزمات الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع السياحة نموا ملحوظا بنسبة 18%، مدفوعا بزيادة أعداد السياح والإجراءات الترويجية الفعالة، مما ساهم في تعزيز الإيرادات السياحية ودعم الاقتصاد الوطني.
تراجع إيرادات قناة السويس وتأثيرها على الاقتصاد
بالرغم من الأداء الإيجابي لبعض القطاعات، شهدت إيرادات قناة السويس تراجعا حادا بنسبة 70% نتيجة لانخفاض عدد السفن المارة عبر القناة بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة. هذا الانخفاض أثر سلبا على أحد أهم مصادر الدخل القومي، مما استدعى البحث عن بدائل لتعويض هذا التراجع، مثل تعزيز القطاعات الأخرى وتنويع مصادر الدخل.
تراجع إيرادات القناة: كيف تعاملت مصر مع الصدمة؟
انخفضت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار في 2022 إلى 5.8 مليار دولار في 2024، بسبب انخفاض حركة الملاحة العالمية بنسبة 30%، وفقًا لهيئة قناة السويس. لمواجهة هذه الصدمة، لجأت الحكومة إلى سياسات بديلة مثل:
تعزيز الصادرات الصناعية (خاصة السيارات والأسمدة) لدعم الاحتياطي النقدي.
زيادة إيرادات السياحة بنسبة 25% مع استقطاب 14 مليون سائح في 2023.
تنشيط اتفاقيات المقايضة التجارية مع دول مثل الهند والصين لتجاوز أزمة الدولار.
رغم ذلك، لا تزال مصر بحاجة إلى حلول هيكلية لتعويض الفجوة طويلة الأمد، مثل تطوير ممرات ملاحية بديلة أو تحويل القناة إلى مركز لوجستي عالمي.
السياسات الحكومية: بين دعم السيولة وجذب الاستثمارات
ساهمت حزمة إجراءات الحكومة في دعم النمو، أبرزها:
تخفيض الضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 15%.
ضخ 5 مليارات دولار في مشروعات البنية التحتية، مثل الطرق والمدن الذكية.
إصدار “السندات الخضراء” بقيمة 750 مليون دولار لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة.
كما شهدت مصر تدفق استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 11 مليار دولار في 2023، خاصة في قطاعات التعدين والطاقة، وفقًا لوزارة التخطيط.
التحديات المستقبلية: بين الفرص والمخاطر
رغم النمو الإيجابي، تواجه مصر تحديات قد تعيق استدامته، منها:
ارتفاع الدين العام إلى 93% من الناتج المحلي، مما يحد من قدرة الحكومة على الضخ المالي.
استمرار نقص العملة الأجنبية، رغم تحسن الاحتياطي النقدي إلى 41 مليار دولار.
تأثير التضخم المرتفع (30% سنويًا) على القطاع الخاص والأسر.
لتعزيز النمو، تحتاج مصر إلى تسريع وتيرة الخصخصة، ودمج القطاع غير الرسمي (الذي يشكل 40% من الاقتصاد)، وإعادة هيكلة الدعم ليكون موجهاً للفئات الأكثر احتياجًا.