أشار تقرير البنك الدولي الصادر في يوليو 2024 إلى تحسن ملحوظ في أداء الاقتصاد المصري، حيث ارتفع معدل النمو إلى 4.2% خلال العام المالي 2023/2024، مقارنة بـ 3.8% في العام السابق. يُعزى هذا التحسن إلى تعافي قطاعات رئيسية مثل السياحة والصناعة، بالإضافة إلى تدفقات استثمارية أجنبية قياسية تجاوزت 11 مليار دولار، وفقًا لهيئة الاستثمار المصرية. ورغم ذلك، يحذر التقرير من استمرار تأثير التحديات الخارجية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا والصراعات الجيوسياسية، التي قد تهدد جذب المزيد من الاستثمارات. كما يسلط الضوء على ضرورة تعزيز الإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو مستدام يتجاوز المتوسط الحالي.
الاستثمار الأجنبي المباشر: محرك النمو الأبرز
شكل الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) عاملاً حاسمًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث سجلت مصر زيادة بنسبة 27% في تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال 2023، مقارنة بالعام السابق. جذبت القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة (خاصة مشروعات الهيدروجين الأخضر) والبنية التحتية (مثل توسعات ميناء الدخيلة) الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات، بدعم من شراكات مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي. كما ساهمت الإصلاحات التشريعية، مثل قانون الاستثمار الجديد وتسهيل إجراءات التأسيس، في تحسين تصنيف مصر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في توزيع الاستثمارات جغرافيا، مع تركيزها في القاهرة والسويس، ما يستدعي سياسات لتحفيز الاستثمار في الأقاليم.
القطاعات الواعدة: الطاقة والتصنيع والرقمنة
احتلت قطاعات الطاقة والتصنيع الصدارة في جذب الاستثمارات، حيث ضخت شركات مثل “سكاتك النرويجية” و”أكوا باور السعودية” استثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار في مشروعات طاقة متجددة، بهدف زيادة حصة الطاقة النظيفة إلى 42% من إجمالي الإنتاج بحلول 2030. في قطاع التصنيع، شهدت صناعات السيارات (مثل مشروع “نيسان” في العاصمة الإدارية) والأدوية نموًا بنسبة 8%، مدعومة بطلب محلي وإقليمي متزايد. كما برز قطاع التكنولوجيا المالية والرقمنة كجاذب رئيسي للاستثمار، مع صعود شركات ناشئة مثل “فودافون كاش” و”بايموب” لتصل استثمارات القطاع إلى 500 مليون دولار في 2023.
التحديات المتبقية: مكاسب هشة أمام مخاطر التضخم والديون
رغم المؤشرات الإيجابية، يواجه الاقتصاد المصري مخاطر قد تعيق استمرار النمو، أبرزها ارتفاع التضخم الذي بلغ 34% في مايو 2024، وتراكم الديون الخارجية التي تجاوزت 168 مليار دولار. كما أن تحسن قيمة الجنيه مؤخرًا (بفضل اتفاقية صندوق النقد الدولي البالغة 8 مليارات دولار) لا يعكس بالضرورة تعافيًا هيكليًا، إذ لا يزال سوق الصرف الموازي يشهد تقلبات حادة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الصادرات المصرية من ضعف التنافسية أمام منتجات دولية، مع اعتمادها شبه الكلي على سلع تقليدية مثل الغاز والمنسوجات، ما يستدعي تنويعًا جذريًا لضمان استدامة النمو.
خارطة الطريق المستقبلية: بين الفرص والإصلاحات المطلوبة
لتحقيق نمو أعلى من 5%، تحتاج مصر إلى تعزيز سياسات جذب الاستثمار عبر آليات مثل:
توسيع الشراكات الدولية: عبر اتفاقيات التصنيع المشترك مع دول إفريقيا لاختراق الأسواق القارية.
تحفيز القطاع الخاص المحلي: بدعم المشروعات الصغيرة وتقليل البيروقراطية.
الاستثمار في البنية التحتية الرقمية: لتعزيز الإنتاجية ودمج الاقتصاد غير الرسمي.
إدارة الدين العام: عبر مفاوضات لإعادة هيكلة الديون مع الدائنين الثنائيين.
في المقابل، يتطلب النجاح معالجة اختناقات مثل بطء إصدار التراخيص الصناعية، وعدم كفاءة شبكات النقل، وتراجع مستوى التعليم الفني المرتبط باحتياجات سوق العمل.
في ضوء هذه المعطيات، يتضح أن ارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.2% هو نتيجة لتضافر عدة عوامل، أبرزها الاستثمار الأجنبي المباشر والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية. ورغم التحديات المستمرة، تظل الفرص أمام الاقتصاد المصري كبيرة في حال استمرت السياسات الداعمة للاستثمار وتحسين مناخ الأعمال.